رائد حسّان
سَقتني زُلالاً من لَماها كَعوبُ
أذابت عِظامي والعظامُ تَذوبُ
فَهل من تدانٍ بعدَ هذا أقولُهُ
فَما بيننا لوّ بانَ قامت حُروبُ
أقامت بِقلبي واستَقرَ مُقامُها
فما من سِواها فيهِ عنها يَنوبُ
فإن كان للأحبابِ قَلبٌ مُتيَّمٌ
فَعندي لها بيْنَ الضّلوعِ قُلوبُ
فليسَ عجيباً لو غنيتُ بنورها
ففي كُلِ شمسٍ ما خلاها غُروبُ
دَعوتُ لنا كيْ لا يزولَ وِدادها
وأمّلتُ أن لا تعتريهِ حُجوبُ
فبانَ لَنا أنَّ الدعّاء مُحجّبٌ
وأنَّ النّوى سهمٌ وَسوفَ يُصيبُ
فها قد عراها من وصالي ملالةٌ
وَضاقت بُنا حُبّاً كأنّي غَريبُ
وأبدت لنا ما لا يُسرُّ لِناظُرِ
وَمن بينِ عينيها تبدّى قُطوبُ
فَقلتُ لِنفسي كي تَقرّ مكانها
بِها من تباريحِ الغرامِ خُطوبُ
خطوبٌ أتتها ثُمّ يا نفسُ تنقضي
وَيرجعُ عيشّ كان فيها يطيبُ
على ذا مضى تعليلُ نفسي مسلّياً
إلا أن علاني من نَواها شُحوبُ
وأمسيتُ في ليلٍ كأّن نُجومهُ
غرابيبُ سودٌ ما لَهنّ لَهيبُ
وَ زالت سعودٌ كان فيها حياتنا
وَجاءت هُمومٌ لا تكادُ تَغيبُ
وأسقمني ذِكرُ الوفاءِ لإنّها
إلى غيرهِ مالت فَكيفَ تؤوبُ
وَقد حال رثاً ثَوبُ عيشي من النّوى
فللعيشِ ثَوبٌ بالوصالِ قَشيبُ
فكم من جديبٍ مع حبيبٍ كروضةٍ
وَمن غيرهِ إنّ الخصيبَ جديبُ
رَجونا دَوامَ الحالِ ممّن ظَننتُها
إلى صوتِ غيري سمعها لا يُجيبُ
ذرتنا وما أبقت لنا غّيرَ مُقلةٍ
تَشاكلَ فيها مشرِقٌ ومغيبُ
فواكبدي من غلّةٍ طالَ حرّها
ووا أسفي كيفَ الرّجاءُ يَخيبُ
ويا ويحَ قلبي كيفَ أظمئني الهوى
على حين روّى النّاس وَهوَ عَذوبُ
مَضيتُ وحيداً لا أرومُ مِن الورى
قريباً فَقد أزرى بِحالي القريبُ
وما عادَ يغريني من الغيمِ بارِقٌ
فأكثرها واللهِ برقٌ خلوبُ
فَما كُل فجرٍ لو تجلّى بصادِق
فَقبل بياضِ الخيطِ فجرٌ كَذوبُ